الثلاثاء، 19 مارس 2013

الإخوان والتصوف: الدرس الموريتاني

الإخوان والتصوف: الدرس الموريتاني

الجمعة 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

محمد خيري كاتب موريتاني
الزمان: مطلع السبعينات من القرن الماضي؛ المكان: محظرة الإمام بداه ولد البوصيري/ مقاطعة لكصر/ انواكشوط؛ جلس ستة شبان يتبادلون كؤوس الشاي، ومجموعة من الكتب تحمل توقيعات المرشد الأول لجماعة الإخوان بمصر حسن البنا، وأبي الأعلى المودودي مؤسس الحركة الإسلامية بباكستان، وعبد القادر عودة، وسيد قطب، ومحمد قطب.
أخذ الحماس من الفتية، وطفقوا يطرقون الأبواب لشرح فكرة لما تتبلور بعد، مؤداها الدعوة إلى الإسلام والتصالح مع الذات...
كان أحد أولئك الشباب عمي الراحل محمدي ولد خيري، والذي سيتولى قيادة التنظيم فيما بعد سنة 1980، حين كان التنظيم سريا، ويطلق عليه "قيادة المجاهدين في سبيل الله".
ركز الشباب على موضوع وجوب الحكم بما أنزل الله، وأن التشريع والتحليل والتحريم من حق الله وحده. في دولة يرونها تحكم بغير ما أنزل الله، ومجتمع صوفي تقليدي يحمل في رأيهم بعض السلوكيات والمظاهر البدعية التي يسعون لتغييرها.
في نفس التاريخ من تولي عمي قيادة الحركة، وعلى بعد 180 كلم من العاصمة الموريتانية، في قرية معط مولانا كان خالي الشاب الحاج المشري يقود مجتمعا صوفيا يحمل أيضا مشروعا إصلاحيا، ويتبنى شعار التصوف السني المتمسك بالكتاب والسنة.
المشروع الذي يتبناه عمي يبحث عن الأصوب، والمشروع الذي يتبناه خالي يبحث عن الأخلص. وكان من المفروض ألا يتعارض المشروعان؛ فالإخلاص من غير صواب ناقص، والصواب من غير إخلاص غير صواب.
لكن ـ وكما هو الشأن في المجتمعات التقليدية ـ أدى التعصب إلى بروز الخلافات بين التيار الإسلامي والتيار الصوفي، وتبادل التهم وبرز أحيانا في شكل مناظرات ومساجلات... قبل الرابع من مايو 2003 كان التيار الإسلامي بكل مكوناته بعيدا عن السياسة ،منشغلا بالدعوة والتربية والعمل الخيري من بناء المساجد إلى رعاية الأيتام ومساعدة المحتاجين... وكان لهم وجود محدود داخل الأحزاب السياسية الموريتانية، لكن اعتقال قادة هذا التيار ومشائخه دفعته إلى الواجهة وأذنت ببداية الحضور الفعلي والقوي لهذا التيار في الساحة السياسية الموريتانية.
وكان التيار الصوفي وما زال (لكن يبدو أن هناك تغييرا يلوح في الأفق) بعيدا عن السياسة، مدرسة سلوك ووسيلة لتهذيب النفوس وتطهير القلوب، حتى أصبح الأمر عادة اجتماعية، تدخل ضمن مكونات الحياة الفكرية للشناقطة.
لقد كانت حركة "الإخوان المسلمين" بقيادة مرشدها حسن البنا محاولة في التعبير السياسي عن الفكرة الإصلاحية الإسلامية, غير أنها انتهت في هذه المحاولة من التعبير عنها في مشروع سياسي حزبي إلى إجهاضها كمشروع فكري؛
فقد أعلن الإمام البنَّا أن" الإخوان دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية" واستقطب هذا الشعار مثقفين كثرا من ضفاف الفكر القومي والاشتراكي، مثل محمد الغزالي ومحمد سليم العوا وطارق البشري، يؤمنون بالعودة إلى مشروع الفكر الإصلاحي واستئنافه وتطوير الوعي الإسلامي بمتغيرات العالم.
كان من المفروض أن يكون هذا المشروع الذي يحمل رؤية سياسية بخلاف المشروع الصوفي، برزخا تلتقي عنده المدارس السلفية بتياراتها المتعددة والمدارس الصوفية بطوائفها وزواياها المختلفة.
لكنه في موريتانيا وكما هو الحال في العالم الإسلامي لم ينجح في ذلك، وإن ظل قادرا على استقطاب الكثير من أبناء المدارس السلفية..
وظلت السلطات في الكثير من الدول الإسلامية تستغل هذا الصراع بشكل تضمن به ولاءات الشيوخ التقليدين والذين أغلبهم ينتمون للتيار الصوفي، على حساب التيار السلفي الذي واجهته بتهم الإرهاب، التهمة التي لم يسلم منها الإسلاميون في موريتانيا، وزج بهم في السجون أكثر من مرة، بما فيهم الرئيس الحالي لحزب تواصل جميل منصور، والشيخ محمد الحسن الددو الذي يشكل للحزب ما يشبه المرجعية.
الاستثناء الذي يحدث في موريتانيا على مستوى العلاقة بين الإسلاميين والمتصوفة، يتجلى على مستوين:
1- رغم الخلافات الفكرية بين الاتجاهين والتي هي صراع بين أهل الظاهر وأهل الباطن، بين أهل الشريعة وأهل الحقيقة كما يقولون، فهناك علاقات طيبة بين شيوخ المتصوفة وبين شيوخ الإسلاميين، فالشيخ محمد الحسن ولد الددو تربطه حاليا علاقات قوية بشيوخ التصوف، تظهر على السطح في أكثر من موقف. كما أننا نقرأ هذه الأيام وسمعنا من الرئيس جميل منصور عن حملة انتساب كبيرة لحزب تواصل الإسلامي سيقوم بها بعض المنتمين للطريقة التجانية .
2- ليس سرا أن حزب تواصل الذي يمثل الإسلاميين في موريتانيا تم الترخيص له في عهد رئيس ينسب للطريقة التجانية، وكان لبعض النافذين التجانيين الموفقين – على حد تعبير الأستاذ عبد الله السيد قائد مبادرة انتساب بعض التجانيين لحزب تواصل- دور كبير في الترخيص المشرف له في عهد الرئيس ولد الشيخ عبد الله.
إن هذا المعطى الجديد الذي يجعل من حزب تواصل قبلة لبعض المنتمين للتصوف، يدفع إلى التفكير في قدرة موريتانيا على تقديم درس للعالم الإسلامي في التعايش بين الطائفتين السلفية والصوفية، وهو أمر لمست شخصيا استغرابه لدى قيادات حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب.
وكلنا شاهدنا تحالف الصوفيين في مصر مع الليبراليين، ودعوتهم لتلك المليونية التي لم يحضرها إلا بضعة آلاف!
ولقد حضرت مرة نقاشا ساخنا في غرفة الأخبار بقناة الجزيرة بين منتج أخبار إسلامي سوري(لا أريد ذكر اسمه) والصحفية الجزائرية خديجة بن قنة، وجه فيه المنتج كل السباب والشتائم للتيار الصوفي واعتبرهم مسؤولين عن تخلف الأمة، والمدافعين عن الطغاة، وكنت حينها أحاول أن أقنعه بضرورة التمييز بين التصوف كفكرة يتبناها مؤسس حركته، والتصوف كسلوك أفراد تدعي الانتساب له.
إن مشكلة الدرس الموريتاني في هذا المجال أن هذا التقارب قد يكون زواجا عرفيا صداقه معاداة أولئك المنتسبين الجدد للرئيس الموريتاني الحالي.
وهو في هذه الحالة على رأي أحمد مطر:
وضعوني في إناء
ثم قالوا لي تأقلم
و أنا لست بماءٍ
أنا من طين السماء
وإذا ضاق بي إنائي
بنموي يتحطم !”
حينها سيكون الدرس الموريتاني في التعايش بين المتصوفة والسلفيين، يشبه الدرس السياسي الذي قدمته موريتانيا 2007، والذي أثار سخرية الأستاذ محمد حسنين هيكل، وأثبتت الأيام أن الحق كان مع هيكل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق