الجمعة، 15 مارس 2013

كلمة فارس الاثنينية معالي الدكتور محمد المختار ولد أباه

 
((كلمة فارس الاثنينية معالي الدكتور محمد المختار ولد أباه))(اثنينية - 322) :
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه.
أيها الأخوة الكرام معالي الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه مؤسس هذه الاثنينية، معالي الوزير والمفكر العالم محمد عبده يماني معالي الوزير محمود سفر السيد معالي الشيخ الأستاذ عبد الله بن بية، معالي الدكتور رضا عبيد أحييكم جميعاً أيها الحضور أيضاً وكذلك أحييكم بتحية الإسلام.
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد..
أبدأ بالقول بتأثري من هذا الحفل ومن هذا الكلام الذي سمعتموه وأريد أن أقول إنني حين بلغتني دعوة التكريم حاولت أن أتعرف على الذين سبقوني إلى هذا التشريف، فلقيت أن هذه المؤسسة الكريمة كرمت مجموعات كثيرة من علية العلماء ومهرة الأطباء وقادة الفكر وأمراء الشعر والنثر فتساءلت أين أنا أين موقعي من هؤلاء المبدعين في كل فن، لأنني لا أرى في نفسي إلا واحداً من هواة المعرفة ومن طلبة العلم وإن حاولت.
الدراسة المكتوبة:
إذا كانت خريطة الطريق التي تسلمتها حول برنامج هذه الأمسية تطلب مني على ألا أثني على مؤسسة الاثنينية، فإنني أرجو ألا تحرمني من الإشادة بالجهود الثقافية التي بذلها مؤسسها سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه، والمتمثلة في هذه اللقاءات المشرقة التي تلم شمل رجال الثقافة والعلم في المشرق والمغرب وتعتبر سجلاً تاريخياً سيكون بمثابة موسوعة لهذا العصر.
أيها الأخوة:
حين بلغتني الدعوة الكريمة لهذه الأمسية حاولت أن أتعرف على من سبقوني لهذا التشريف، فوجدت أنها كرمت مجموعات من علية الفقهاء ومهرة الأطباء وقادة الفكر وأمراء الشعر والنثر. ثم تساءلت أين أنا من هؤلاء المبدعين في كل فن؟ وقلت في نفسي قد أكون ممن يتشبه بهم مثل ما يقول الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
أجل. إنني لست إلاّ واحداً من هواة المعرفة وطلبة العلم الذين يسعون أن يأخذوا من كل فن بطرف.
أيها الأخوة:
حين أعود إلى تعليمات مجريات الأمسية نجد أنها تعطي الفرصة للمتحدث أن يتناول بعض المحطات مما لم يسبق نشره. ولاغتنام هذه الفرصة فإنني سأتحدث عن بعض الأعمال التي قمت بها قبل الحديث عن كتاب: ((الشعر والشعراء في موريتانيا)) الذي سيكون موضوعنا الليلة.
إن أول مصنف أتيح لي أن أكتبه هو كتاب: ((موكب السيرة النبوية)) الذي تناولت فيه حياة النبي الأكرم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم. وقد استعرضت فيه كيف واجه أمانة الرسالة، وكيف كانت حياته في بيوته مع أمهات المؤمنين. ومع أنه قد طبع عدة مرات فإنه لم ينشر لأنه لا يوجد في المكتبات الآن.
ومن المصنفات التي كتبتها أيضاً: (( تاريخ علوم الحديث في المشرق والمغرب ))، وأردت منه أن يكون من ثلاثية أولها: ((تاريخ النحو العربي))، وثانيها: ((تاريخ القراءات)). وإنني أسعى إلى نشر الثلاثية في مجموعة متكاملة.
وأشير إلى آخر ما صدر، وهو نظم سميته: ((إشراق البدر على الصحابة من أهل بدر)). كما سبق لي أيضاً أن قمت بترجمة معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية، وهي الترجمة التي اعتمدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وآمل أن تتم طباعته قريباً إن شاء الله.
أما موضوع حديثنا لهذه الأمسية، فسيتمثل في عرض عن كتاب (( الشعر والشعراء في موريتانيا )). وقبل تناول مضامين هذا الكتاب، أود أن أقدم الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: حول عنوان الكتاب، إذ لم أكن راضياً كل الرضا عن العنوان. فعبارة الشعر والشعراء توحي بنوع من الاستقصاء والشمولية لا يتضمنها هذا المؤلف؛ فالعنوان أوسع من مضامين الكتاب الذي اقتصر على عدد محدود من الشعراء وكم محصور من القصائد، وفترة محدودة من تاريخ الشعر تنتهي في مستهل القرن الرابع عشر الهجري. إنها مبالغة صدرت عن غير قصد عند نشر الكتاب في طبعته الأولى وعسى أن يغفرها توضيحها والتنبيه عليها.
ذلك أن ليس في هذا الكتاب سوى تكملة للعمل الرائد الذي قام به أحمد بن الأمين العلوي الشنقيطي في كتاب: ((الوسيط في تراجم أدباء شنقيط)). وفي العنوان كذلك أثبتت كلمة موريتانيا أي الاسم الذي اصطلحه الاستعمار الفرنسي على هذه البلاد، بدلاً من شنقيط الذي هو الاسم التاريخي والثقافي.
ومع ذلك فقد احتفظت بالعنوان الأصلي لأن تغييره يوحي بتغيير المضمون، وهو ما لم يحصل. ويقول الغزالي: ((ليس في الإمكان أبدع مما كان)).
الملاحظة الثانية: إن هذا الكتاب يتناول مجموعة من القصائد التي لا توجد في كتاب الوسيط الذي كان أول مدونة للشعر الموريتاني.
الملاحظة الثالثة: أنه كتب قبل عقود من الزمن تطورت فيها دراسات الشعر الموريتاني، لكني أعدت طبعه دون أي تغيير فيه.
والكتاب يشتمل على أكثر من سبعة آلاف بيت لأكثر من مائة شاعر، مع مقدمة حول دخول الإسلام والعرب في موريتانيا، ولمحة عن تاريخ الثقافة في هذا البلد في المدن القديمة وهي ولاتة، وشنقيط، وودان، وتيشيت، مع وصف مختصر للمدارس الموريتانية المعروفة بالمحاضر. ولتكن لنا وقفة تعريف عند هذه المدارس.
فمن الصعب على من لم ير المحاضر التعليمية في موريتانيا أن يتصورها. ذلك أن البداوة تقترن في الذهن بالغباوة والجهل، فالثقافة جزء من الحضارة، ومراكز العلم والتدريس تقترن غالباً بالجامعات والمعاهد المشيدة التي اتصلت شهرتها بشهرة المدن التي تحتضنها. غير أن المحاضر فريدة في نوعها؛ إذ في بعض أحياء البدو الذين يتبعون المراعي متنقلين من ضفاف نهر السنغال إلى وادي الساقية الحمراء، تصادف شيخاً كسائر البداة، متقشفاً في ملبسه ومظهره ولا يمتاز بشي عن سكان الحي، سوى أن ترى أمام بيته مجموعة من الشبان يقل عددها ويكثر بحسب الأزمنة، تسكن تحت الشجر أو في عريش من خشب وثمام، تعيد بناءه كلما ارتحل آل الشيخ. هؤلاء هم تلاميذ ((المحضرة)) .
يلتف تلاميذ المحضرة حول الشيخ ضحوة كل يوم ثم يتسابقون إلى الدراسة وقد يجتمعون شعباً لقراءة نص واحد، والغالب قراءتهم أشتاتاً. ونظام المدرسة يمتاز بكثير من الحرية، فالطالب يختار بنفسه مادة قراءته من فقه أو نحو أو صرف.. ثم يختار المقرر الذي يناسب مستواه، ثم يحدد حجم الدرس الذي في وسعه أن يستوعبه.
هذا بالنسبة إلى الطلاب، أما الشيخ فإنك تستمع إليه وهو يفسر نصاً من مختصر خليل ثم ينتقل مباشرة إلى باب من ألفية ابن مالك في النحو وبعده إلى درس من التوحيد من نظم إضاءة الدجنة للمقرّى ثم إلى أبيات من معلقة امرئ القيس، وهكذا دواليك.. وحين يجن الليل ترتفع أصوات الطلبة بـ ((التكرار)) والمناظرة والاستذكار.
هذه المحاضر منتشرة في جل قبائل الزوايا كمعاهد تعطي تعليماً ثانوياً وعالياً في أغلب الأحيان، وربما تخصص منها البعض في مواد مستقلة. فمخاطر قبائل تجكانت ومسومه وتنواجيو، اشتهرت باختصاصها في العلوم القرآنية، في حين أن محاضر قبيلة أجيجبه وعائلة أهل محمد بن محمد سالم اختصت بالدراسات الفقهية، ولقد حازت هذه الأخيرة شهرة فائقة ابتداء من النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري، أما محضرة عبد الودود بن عبد الله والحسن بن زين وبلاَّ الحسني فتخصصت في علوم اللغة والنحو والصرف.
ومن المدارس التي كانت جامعة في تدريس العلوم الإسلامية، مدرسة حرمة بن عبد الجليل ومنها تخرج الشيخ سيدي الكبير، ومدرسة محنض باب بن العبيد وأحمد بن العاقل، والجدود ولد اكتوشن، وآل آلمَّا ومدرسة الأستاذ يحظيه بن عبد الودود.
أيها السادة الكرام:
لنعد إلى الشعر وأغراضه عند الشعراء الشناقطة. لقد تناول الأديب المختار بن حامد مواضيع هذا الشعر في قصيدة يقول فيها:
مشت بيني وبين الشعر هندي
وهندي أملح الشفعاء عندي
أجدك قد هجرت الشعر قالت
فقلت نعم هجرت الشعر جدي
أطعت الآمريّ بذاك علي
أكون بهجره كأبي وجدي
فقالت ما بهجر الشعر لكن
بهجر الهجر نالا بعض جد
فقله وصف به قمري وليلي
وفرعي، وجنتي خدي وقدي
وصف ما في من غنج ودل
وصف ما فيك من وله ووجد
وصف واندب معاهدي اللواتي
عهدت على الكثيب بها وعهدي
وصف بأن الكثيب تميس ميسا
كميس بنات ((سير)) به و((هد))
وصف نيران بادية وليلي
تبدت في لييلات التبدي
وصف مسراك في البيداء نحوي
وصف مسراي إذ أنحوك وحدي
وقله به على الفضلاء تثني
لحق الفضل لااستجداء مجد
وقله وصلينَّ عليه مدحا
على المختار خير نبي معد
ولا تفقد به ماء المحيا
وجلباب الحيا عن ذاك عد
ولا تتعد هذا النحو فيه
فأكثر ماعدا هذا تعد
أيها السادة الكرام:
نظراً إلى كون الوقت المخصص لهذا العرض محدوداً بنصف ساعة، فإنني سأقتصر في هذه الليلة على موضوع المديح النبوي في الشعر الموريتاني، من خلال هذا الكتاب، وبهذه المناسبة، إذ لا ننسَ أننا في شهر المولد، شهر الربيع النبوي.
غير أنني أبدأ بذكر مقطعات غزلية من شعر مجموعة من العلماء القضاة في موريتانيا للتنبيه على ارتباط الشعر بالثقافة الموريتانية، وبكون العلماء في هذا البلد تجاوزوا الشبهات التي تثار حوله فكانوا يبدؤون جل قصائدهم بالمقدمات الغزلية التقليدية. والموضوعات الغزلية التي أوردها هنا هي:
يقول القاضي حرمة بن عبد الجليل:
حي من أجل من تحب الطلولا
طالما قد سحبت فيها الذيولا
بين أوانس ناعمات
يستلبن المواصلين العقولا
إن هيف الخصور غرَّ الثنايا
هن أردين عروة وجميلا
وامرء القيس والمرقش فاصبر
أنت ممن قتلن، صبراً جميلا
ويقول القاضي محمد فال بن محمد بن أحمد بن العاقل:
حول ((بلشان)) عرجن بربوع
ما لماضي أيامها من رجوع
حيها حيها وسائل ربوعا
برباها عن أهل تلك الربوع
إن محض الجفاء أن لا تحيّا
أو تحيّا بغير سفح دموع
وقال القاضي عبد السلام بن محمد بن عبد الجليل:
لدى النؤى دار للمليحة بالية
وأخرى بذات السرح أودت بباليه
وأخرى لدى لا أخدود قفرا عرفتها
أثارت جديد الشوق مني وباليه
ودار خلال التبر آلت جدادها
مآل جداد العفر هاجت خياليه
ظللت بها والقلب يغلي وأدمعي
على النحر من آماق جفني هاميه
ويقول القاضي محمد عبد الرحمن بن السالك:
يا مي إن يمنع الواشون وصلكم
حيران ليس له في غيركم أمل
ولا سعت بيننا كتب لتنبئكم عنـ
ا وتنبئنا عنكم ولا رسل
لم يمنعوا خَطَرَات طالما خطرت منكم..
على القلب حين القلب مشتغل
ولا دموعاً إفاضتهن فرقتكم
ولا شهاب هوى في القلب يشتعل
كانت هذه نفثات من قلوب هؤلاء العلماء. ولعلهم يتأسون بأحد علماء المدينة السبعة، وهو التابعي الشهير عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الذي يقول:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم
ولامك أقوام ولومهم ظلم
ونم عليك الكاشحون وقبلهم
عليك الهوى قد نم لو ينفع النم
وبعد هذه الغزليات ننتقل إلى المديح النبوي. ففي هذا الكتاب منه 17 قصيدة لسبعة عشر شاعراً. وهذه القصائد تناولت سبعة محاور من فنون المديح، هي:
المولد النبوي وما رافقه من آيات وخوارق.
عرض أدلة النبوءة والحديث عن معجزاته عليه الصلاة والسلام..
الإشادة بانتصاراته في غزواته ضد أئمة الكفر.
ذكر ما له من جميل الصفات الخلقية وحميد النعوت الخلقية.
دوافع المحبة والشوق إليه.
الإشادة بعترته وخلفائه وأصحابه.
التصريح بأن المديح لا يفي بحق الثناء لكن المادحين يقدمونه استجابة لأمر المسلمين بنصره وتوقيره.
وفيما يلي مقاطع تناولت هذه المحاور:
المحور الأول: المولد النبوي وما رافقه من آيات وخوارق.
كيف لا تهتز قرائح الشعراء لحدث هز الدنيا وما زال يهزها إلى اليوم. يتذكره أبو لهب بتخفيف عذابه في اثنينيته من الأسبوع إلى الأبد. وكانت الأبعاد المتصلة بتحديات الحدث زمنية ومكانية. فهي في المكان تنطلق من النور الذي علاه بالمنزل وقت الميلاد، إلى تغيرات في الفضاء الواسع تمثلت في ظهور نجم لم يكن في المنظومة الفلكية من قبل. وهي في الزمان معجزات وخوارق متتالية انطلقت من مكة المكرمة في ليلة المولد إلى الأبد التي تعتبر هذه العولمة الليلة محطة، مجرد محطة فيه، ولن تنفك القلوب تستبشر به وتفرح به الأرواح، بقدر ما أنقذ العالم من ضلاله في بيداء مظلمة، وهداها إلى النور المبين وعصمها بالحبل المتين.
وقد ارتبط الشعراء بالمولد قبل أن يقرضوا الشعر، كما انتبه أهل الكتاب إلى طلوع نجم أحمد قبل غيرهم، لما يعرفونه في كتبهم من ارتباط المولد بحدث في فلك السماء. وقصة اليهودي الذي صرخ بمعشر قومه في يثرب ليلة المولد، نقلت إلينا بشهادة الشاعر العظيم، حسان بن ثابت، إذ حضر النداء والخبر وهو في السابعة أو الثامنة من عمره. وتلقى زيد بن عمرو بن نفيل الخبر نفسه لدى حبر من أهل الشام، أمره بالعودة إلى مكة، قائلاً: ((قد خرج في بلدك نبي أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع وصدقه واتبعه)). فسبحان الله كيف كان اليهود أمس، يعرف أحبارهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم والكوكب الأحمر المبشر به ويكتمون ذلك، كما هم اليوم يحملون علماً غزيراً لا ينشرون منه إلا ما يحكم قبضتهم ويخدم قضيتهم. والله الذي منعهم من إخماد نور النبوة أول الأمر قدير على أن إزاحة الغيوم التي يحاولون اليوم بها حجب حقيقة الإسلام وقضاياه.
وقد سبق عمه العباس بن عبد المطلب الشعراء إلى الإشادة بالحدث والتغني به، حين قال:
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض
وضاءت بنورك الأفق
ونحن في ذلك الضياء
وفي النور وسبل الرشاد نحترق
وربما كان وعي الشعراء الشناقطة وفقههم مصفاة جيدة لتمييز المواد المتعلقة بالمولد، استغناء بالصحيح المقبول عن الأساطير. ومن الشعراء الذين تحدثوا عن المولد في هذا الكتاب الأحول البوحسني، ويقول في هذا المقام:
ظهرت بمولد أحمد وببعثه
آي ظهرن من الغزالة أكملا
هتف الهواتف عنده وتباشرت
شكرا به أهل السموات العلى
وهوى النجوم على البطاح وبات ما
تحوي دمشق ببطن مكة يجتلى
وغدا فؤاد عظيم فارس أن غدا
إيوانه متفللاً متفللا
نعم الوليد محمد فمحمد
ميلاده فرح ومبعثه إلى
نبئت نائلة المنى ولدت به
براً أعف من البنين وأكملا
ويقول الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيدي:
أهلاً بصاحب هذا المولد النبوي
مقابل الطرف الأمي والأبوي
أهلاً بميلاد مولود به كملت
بشرى البشائر للبادي وللقروي
أهلاً بميلاد من لم يحك مولده
من الظروف مكاني ولا ملوي
أكرم بها ليلة غراء مسفرة
عن غرة في محيا الضئضئ القصوي
أكرم بها ليلة غراء ضاحية
فيها يتيمة سمط اللؤلؤ اللأوي
أكرم بها ليلة غراء مظهرة
سرالوجود الذي به الوجود حوي
أكرم بها ليلة غراء مطلعة
شمس الضحى بسماء المطلع النبوي
أكرم بها ليلة ليلى غراء منتجة
نتيجة العالم السفلي والعلوي
هي التي عرف الكهان أن لها
شأناً متى لاح فيها للنجوم هوي
يا ليلة المولد الميمون طالعه
طوى زمانك من فيه الزمان طوي
ويقول محمد بن عبد الجليل بن حرمه:
من نوره إذ بدا للكون مبرزه
عم البرى والورى والسهل والجبلا
نيران فارس عن طول الصلى خمدت
لم يغنها مصطل جم وطول صلا
ونكست شرفات باللوى ملئت
أضحت أكاسرها من الأسى هملا
وغاض بحر طمى لما أضاء هدى
لم يبق نور الهدى من غمره بللا
ويقول محمدي بن سيدنا العلوي في تهنئة الربيع:
يا ربنا صل على ـ خير الأنام من علا
على السموات العلى ـ بإذن ربه العلي
تهنئة الربيع بمدحة الشفيع
بالمنطق البديع أبغي بها مؤملي
أهلاً بشهر المولد ـ شهر العلى والسؤدد
شهر النبي الأحمد ـ شهر ربيع الأول
أهلاً بشهر الفرح ـ شهر ذهاب الترح
وفخرنا والمرح ـ شهر النبي الأفضل
شهر الفلاح والسرور شهر به ساد الدهور
موشح بين الشهور متوج مكلل
أهلاً بشهر الفاتح ـ إغلاق كون الفاتح
من خص بالفواتح ـ وحاز ختم الملل
أهلاً بشهر الحاتم شهر نبي قاسم
وفاتح وخاتم وآخر وأول
أهلاً بشهر الناصر للحق شهر الآمر
بالعرف شهر الظاهر بكل وصف أكمل
أهلاً بشهر الهادي لمنهج الرشاد
وقائد وحاد إلى الطريق الأمثل
أهلاً بشهر السيد لأحمر وأسود
من حاز سبق السؤدد يوم اعتذار الرسل
أهلاً بشهر المصطفى صفوة كل مصطفى
وخيرعبد قد صفا من ملك ومرسل
أهلاً بيوم اثنين مولد ثاني اثنين
مبعث سر الكون مقدمه المبجل
المحور الثاني: عرض أدلة النبوءة والحديث عن معجزاته عليه الصلاة والسلام.
وهذا باب خصب لشموله ما أظهره الله على يديه(صلى اغلله عليه وسلم) من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات. وقد حفلت النصوص المرجعية بذلك، مثل إعجاز القرآن وانشقاق القمر وحبس الشمس، ونبع الماء من بين أصابعه وتكثيره وتكثير الطعام ببركته ودعائه، وكلام الشجر وشهادته بنبوته، وحنين الجذع إليه، وإحياء الموتى وكلامهم وكلام الصبيان وشهادتهم بنبوته، إلى آخر ما لا حصر له ولا عد.
وعلى هذه السنن قول محمد عبد الرحمن الحسني:
معاجزه تبقى مدى الدهر بعده
وما بقيت للرسل معجزة بعد
ولا هي تحصيها الصحائف عدة
ولو كان للأقلام في حصرها جد
وكانت سماء الله جمعاء مهرقا
وأنجمها أيد بأقلامها مد
ويقول محمد بن محمدي:
سلام على من أيدت ما أتى به
من الحق كل الحق آياته الغر
بدت فرنا من قاده الخير نحوها
وأعرض عنها كل من قاده الشر
فهل بعد إفصاح الضباب عماية
وهل مرية من بعد ما انفلق البدر
فحل مقاماً دونه ينتهي العلا
وأودع سرًّا دونه ينتهي السر
وحلت له شمس النهار غروبها
بحيث يؤدي العصر من فاته العصر
وريئت أوان الغرس كل وديّة
سحوقاً تدلى من جوانبها البسر
وقد ريء مشحوذ الغرار مهنداً
قضيب من الشجراء كان له هصر
و حن حنين الجذع من فرط شوقه
إليه ولوع الصب فاجأه الهجر
أتلك أم أنباء الولادة إذ أتت
تحييه من آفاقها الأنجم الزهر
وإذ ريئت الحيطان من قصر قيصر
وإذ راع كسرى من بنيته الكسره
وإذ حل بالنيران والنهر مايه
من الخطب غيض البحر وانطفأ الجمر
ألا إن في آيات أحمد كثرة
تقصر بي عن ذكرها وكذا الذكر
المحور الثالث: الإشادة بانتصاراته في غزواته ضد أئمة الكفر.
يتحدث الشعراء هنا كيف انتقل المسلمون من حالهم يوم أول الهجرة حيث رمت العرب مدينة التوحيد الوحيدة عن قوس واحدة، إلى أن تحول ضعفهم قوة وخوفهم أمناً، ولهج محيطهم بذكر الله، واطمأن الصحابة فلا يخافون إلا الله عز وجل. وقد جبل الشعراء على مدح التحدي والتغني بالانتصار والإنجاز الخارق، والسخرية من الفرار والهزيمة، وقد منحتهم المغازي النبوية أروع الأمثلة في هذا المضمار.
وموضوع التحدي في منشإ الدولة المسلمة تناوله القرآن قبل الشعراء، بآيات تتنزل لتبدد جو الخوف والبشرى والفتوح، ذخيرة لا تنفك عن القلوب والأرواح توازي ذخيرة السلاح الذي يتأبطونه ليل نهار لحماية حصن الإسلام الجديد.
وفي هذا يقول غالي البصادي:
سائل قريشا ببدر يوم ردهم
دون القليب ظماء جولة الرسل
منهم كماة بطعن في نحورهم
مخلولج فيهم طوراً ومعتدل
كم غادروا في مجال الحرب منعفرا
من ناشئ سيد منهم ومكتهل
والخيل تعثر في القتلى مصرعة
كأنها من نجيع الجو في وحل
وسل هوازن إذ جاءت بأجمعها
يسوقها لحنين سائق الأجل
كم جدلوا من عزيز منهم وسبوا
قد كان قبل رخي البال والطول
ومن فضلا عليهم بعد ما قسموا
وصار مخولهم من أوضع الخول
ويقول محمدو بن محمدي العلوي:
وما شمرت عن ساق الجد عصابة
تحاربه إلا وحاربها النصر
سل الجيش إذ وافى كأن سواده
ظلام بهيم الليل مورده بدر
أتوا مثل أرسال الدبى وكأنهم
صواد دعتها دون ذائدها الغدر
فما وردوا ماء السعادة مشربا
ولا كان من طير النجاح لهم زجر
دهتم من اصحاب النبي عصابة
قليلون إلا أن قلتهم كثر
يضاعف من إقدامهم أن موتهم
حياة وصاب الموت عندهم خمر
فلما استبان الجيش أن لا تصدها
رقاق الحواشي والمسومة الشقر
تولى يباري الريح والحال قائل
رويدكم أين التخمط والكبر
فما أغنت البيض الصوارم والقنى
نقيراً وما أغنى الوليد ولا عمرو
وحاصل بسط القول إن لأحمد
محامد تنأى أن يحيط بها حصر
ويقول محمد النانه الحسني:
وللبطشة الكبرى ببدر عزازة
ألان رقاب المشركين صليبها
غداة دعا صخر قريشاً فأقبلت
تجرر أذيال المخيلة شيبها
فلما التقى الجمعان واشتجر القنا
وشان الوجوه الواضحات قطوبها
ودارت رحى الهيجا وثار غبارها
هفا لب جانيها وخام ضروبها
ومن هذه القصيدة:
ووافاه نصر الله يوم هوازن
ببطن حنين إذ رمته شعوبها
بسود من أصداء الحديد كأنها
صوى أشرقت بين اللوامع لوبها
وآلى لسان الحال والقول إنه
ندى المحل معطاء الألوف وهوبها
المحور الرابع: ذكر ما له من جميل الصفات الخلقية وحميد النعوت الخلقية: وقد كمل الله المحاسن خلقاً وخلقاً، وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية.
وقد سبقت الشعراء لهذا الباب الآيات المحكمة التي أثنت على خلقه العظيم، والآثار الصحيحة والمشهورة الكثيرة التي ذهبت في تفاصيل خصال الكمال في جبلة الخلقة الكريمة، وأبرزت حيازته لجميعها وإحاطته بشتات محاسنها. وفي الشفاء لقاضي عياض نبذة جزيلة عما رواه الكافة عن الكافة.
ومن الصحابة الذين حدثوا عن بسط صفته:
الإمام علي كرم الله وجهه إذ يقول: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله.
وأبو هريرة يقول: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر.
والبراء بن عازب بقوله: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.
وأم معبد: أجمل الناس من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب.
ويقول ابن رواحة:
لو لو تكن فيه آيات مبينة
كانت بديهته تنبيك بالخبر
كما سبق مدحه صلى الله عليه وسلم بالخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة والآداب الشريفة، مما حاز فيها منتهى الكمال وغاية الاعتدال، حتى أثنى الله بذلك فقال تعالى:وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)؛ وتقول السيدة عائشة: كان خلقه القرآن.
فماذا عسى أن يقول أحمد بن محمد سالم؟ ولكن قال:
بعيشك صف شمائله فإني
أحن إلى شمائله الحسان
يلاقي المعتفين بهم رحيماً
لدى اللزبات منهمر البنان
يجود من العيون بمكفهر
يسح على القلوب مدى الزمان
ويوليها إذا صدئت جلاء
لما فيهن من صدأ و ران
ويشفي بالمسيس عضال داء
دوٍ ما للأساة به يدان
ويلقاهم بوجه أب عطوف
رؤوف في القيامة ذي حنان
ويقول غالي بن مختار فال:
محمد خير من حل الجميل به
وخير منتجع في أزمة المحل
من للعصاة شفيع والمضام حمى
للمسنتين ربيع كالحيا الهطل
للمجرمين مجير من جرائمهم
إن مسهم جزع من سيء العمل
شفيعهم اذ لواء الحمد في يده
أمانهم غوثهم من ذلك الوجل
للمهتدين سنا للمرملين غنا
للمشتكين منى للمرسلين ولي
المحور الخامس: دوافع المحبة والشوق إليه: ومن أعظم ثمار المحبة الشوق إلى المحبوب ودوام ذكره، واعتقاد نصرته والانقياد له. وهو صلى الله عليه وسلم جامع للمعاني الموجبة للمحبة، وهي:
جمال الصورة والظاهر، مما يميل إليه الطبع السليم لموافقته له واستلذاذه بإدراكه.
وكمال الأخلاق والباطن، حيث يميل الطبع أيضاً إلى معانٍ شريفة بها يحب أهل المعروف المأثور عنهم جمال السيرة وحسن الأفعال. وقد تقدم من وصف هذا الجانب والذي قبله ما يفسر الحب بهما.
الإحسان والأفضال، وقد أثنى عليه القرآن بأنه رؤوف رحيم ورحمة للعالمين، مبشر، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم.
هذا فضلاً عن لزوم محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها، مما سبقت إلى تقريره الآيات، مثل الوعيد والتقريع في قوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا (التوبة: 24)، وفي الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، وفيه: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، قال: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وقال أيضاً: المرء مع من أحب.
ولعل مما يجمع بين المحبة والشوق قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة: من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله. وشعراؤنا هنا يودون أن يسافروا إلى المدينة المنورة بكل ثمن. وكلهم يتمنى شمول قول أبي سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن من أمارة الحب الشوق إلى اللقاء بالمحبوب. وفي حديث الأشعريين عند قدومهم المدينة أنهم كانوا يرتجزون: غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه. ولما احتضر بلال رضي الله عنه نادت امرأته: واحزناه، فقال: واطرباه، غدا ألقى الأحبة، محمداً وحزبه.
وفي حديث ابن عباس كانت المرأة إذا أتت النبي صلى الله عليه وسلم حلّفها بالله ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة بأرض وما خرجت إلا حبًّا لله ورسوله.
وفي هذا الباب يقول أبو مدين ابن الشيخ أحمد بن سليمان:
حل بالقلب حب طه فتاها
إنما الفخر كله حب طه
إن من ذاق حبه لم تصده
ذات حسن بحليها وحلاها
حب طه ينجي النفوس إذا ما
عن قريب داع المنون دعاها
حب طه هو المجيب إذا ما
جاءها بعد دفنها سائلاها
حب طه حب الإله فمن كا
ن محباً له أحب الإلها
وله أيضاً في الشوق إلى الحرمين الشريفين:
عوجوا المطي إلى البيت العتيق ففي
بلوغه نيل آمالي و أهوائي
إلى المقام إلى باب السلام، إلى
ما حول مكة من خبت وبطحاء
حطوا رحالكم عن كل راحلة
في روضة من رياض الخلد غناء
و بالبقيع قفوا للزور واقتبسوا
من نوره كل أنوار وأضواء
وفي قباب قباء المدينة وما
يسلي عن الأهل ألباب الألباء
ورؤية القبة الخضراء تذهب ما
بالقلب والجسم من عي وإعياء
يرى هنالك أنوار منورة
من عنده عين قلب غير عمياء
يا أكرم الخلق إني ميت شوقكم
لو كنت أحسب ميتاً بين أحياء
قد حل شوقي في روحي وفي بدني
وكلكلي وفي أجزاء أجزائي
وقد تمكن من سمعي ومن بصري
ومن كناي وألقابي و أسمائي
ويقول محمد النانه بن المعلى:
ألم تدر سعدى أنني لست ضارعاً
لأن حال من دون الوصال مريبها
إذا نزعت حوباء نفس وشاقها
ضريح النبي الهاشمي حبيبها
رسول الإله المستضاء بنوره
عليه صلاة الله ينفح طيبها
خلاصة فهر بدرها وذُكاؤها
وفارسها يوم الوغى وخطيبها
وكعب مصابيح الظلام التي سمت
به وعلت بين النوادي كعوبها
فجاز الطباق السبع في محض ليلة
على الشرف العاديّ أربي نصيبها
ويقول ماء العينين بن العتيق:
ألا من لعين عز وجدا هجودها
وهان عليها بالمدائح جودها
تفيض لذكر الفيضتين بعبرة
كأني إذا كفكفتها استزيدها
وفي القصيدة نفسها يقول:
فأحبب بها أرضاً إليّ وشد ما
تشوقني أن شاقت القلب غيدها
ولكن هوى أرض الحجاز استمالني
فلم يشقني اليوم إلاّ شهودها
ولم يك دائي غير شوق كدائها
وقد كاد يودي بالفؤاد كديدها
فخذ نحوها باليعملات فإنما
لطيبة عندي يستطاب وخيدها
تخيلها الأشواق لي فأخالها
تداني على شحط المزار بعيدها
تواعدني الهمات أن سأزورها
وأين من الإنجاز تجري وعودها
مزار البقاع الطاهرات توده
حشاشة قلبي والخطوب تذودها
فحتام تثنيها النوائب والنوى
بورج الجوى يستاقها ويقودها
ألا يا رسول الله حبك حببت
إلي به وهدانها ونجودها
فما غير أرض أنت فيها ميمم
لنيل المنى من كل وجه صعيدها
وهل جنة الدنيا سوى الأربع التي
حوتك وهل إلاّ ربيعك عيدها
بميلادك الأقطار نارت وأصبحت
لحلى بتقصار السعادة جيدها
وأمسى الليالي ساقط دبرانها
وطالعة في الخافقين سعودها
المحور السادس: الإشادة بعترته وخلفائه وأصحابه.
ومن توقيره وحبه بر آله وعترته، وقد أكرمهم الله بقوله: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وقد قال هو صلى الله عليه وسلم: أنشدكم الله أهل بيتي ـ ثلاثاً.
ومن بره توقير أصحابه وبرهم، والاقتداء بهم وحسن الثناء عليهم. كيف لا وقد مدحهم القرآن بقوله: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، وقال: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وقال لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، وقال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
يقول ماء العينين بن العتيق في مقطع من قصيدته التي سبق الاقتباس منها:
وأمته قَدْها من الفخر أنها
غداً شهداءُ الناس وهو شهيدها
محجلة غرا جلاها وضوءها
وغادر سيمي في الوجوه سجودها
تدين لها في فضلها كل أمة
وترهبها شم الملوك وصيدها
فصديقها نعم الخليفة بعده
مآثره لا يستطاع عديدها
و فاروقها أعدل به من خليفة
كفى أنه بعد العتيق عميدها
وعثمانها ذو النور والنور خنصر
إذا عد محمود الفعال سديدها
وأما علي صهره وابن عمه
أخوه أبو سبطيه فهو وحيدها
وطلحتها من مثله وزبيرها
وكيف يجارى سعدها وسعيدها
وهل من حكى زُهْرُيُها وأمينها
بل الكل مشكور المساعي حميدها
وحمزة والعباس عماه، عمها
طريف المزايا منهما وتليدها
ومما روينا أن طوبى شبابها
كلا الحسنين السيدين يسودها
المحور السابع: التصريح بأن المديح لا يفي بحق الثناء ولكن يقدمونه استجابة لأمر المسلمين بنصره وتوقيره.
وليس للشعراء طمع في بلوغ قطرة من بحر هذا الباب، وأنى لهم أن يوفوا الوصف حقه فيمن وصف الله مكانته وحظوته عنده بقوله: ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى. وجمع له وجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين والزيادة بقوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. وأقسم الله تعالى بعظيم قدره:لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (الحجر: 72). وقال: يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. وقيل هو المراد بقوله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، أي انشرح من الأنوار وانقطع عن غير الله. وأنه المراد بقوله وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ (الفجر: 1 ـ 2)، لأن الإيمان تفجر منه الإيمان.
ويتفنن شعراؤنا في الاعتذار عن بلوغ المراد في المدح، فيقول محمد المامي في هذا المضمار:
كيف يسطيع مدحك البلغاء
ومن اللَّه قد أتاك الثناء
قاصر عنه ما قد يدبج سحبا
ن وقس وهذب الشعراء
ونظام المعلقات اللواتي
قسمتها الأستار والجيداء
حسنته ضواحك من بديع
سقيت من رضابها الجوزاء
فبدت حمرة على غرة الجو
زاء الأخرو وغارت العذراء
كل برج نجومه غائرات
غير برج نجومه الخلفاء
شمس فضل سعودها من قريش
ومن أوس وخزرج أبناء
قد حوت منهم الجديدة درا
ما حوته الأمواج والخضراء
فكأن السماء تحت علاها
وحلاها أرض والأرض سماء
كل شمس نهارها غير شطر
يستوي عنده الضحى والعشاء
فاستعارت من نورها الشمس عكسا
شق للزبرقان منه رداء
شرط كل تقابل حدسي
أنه ما للمستعار بقاء
كحل العين كالتكحل فيها
مدة ثم ينقضي الاستواء
فانظروا هل يرى كحسان مدحا
وزهير ومن نمت بصراء
يا شفيعاً في المذنبين ولول
فضله ما تولت الأولياء
ويقول ابن أمبوي الولاتي:
مدح النبي لمادحيه سكينة
وتجارة فيها أتيح نماء
طوبى لمن يهدي القريض لسيد
شهدت له بالسؤدد النبئاء
إن الذين يجددون مديحه
فيغردون به هم الشعراء
ويقول غالي البصادي:
جاءتك يا سيد الدنيا مخدرة
عذراء من مدحكم تختال في حلل
تابى على المهر ما لم يأت نحوكم
ومهرها ستر ما أجني من الزلل
غاليت لو رفعت خودا لغيركم
يا سيد الخلق يوم الغزو والخيل
ولا مغالاة في مهر تجود به
كف تسيل بما أشهى من العسل
لو رمت حصر صفات الغير ساعدني
وليس لي فيكم بالحصر من قبل
فكيف أحصي الحصى والشهب من عدد
وكيف ينزح طامي البحر في القلل
صلّى عليك إله العرش ما سجعت
ورق الحمام وماس البان بالشمل
مع الصلاة سلام لا يفارقها
لا ينتهي أبداً يا منتهى أملي
ويقول محمدو بن محمدي العلوي:
أسيدنا أثنى عليك إلهنا
فما ذا سيحصى من مناقبك الشعر
أيحصى حصى المركوم من رمل عالج
أيحصى ركام القطر أم ينزح البحر
ولي منك في إنشاء مدحك موعد
وثقت به والحمد لله والشكر
وعدت على شطر ولي فيك محسنا
قواف إذا أنشدتها خجل الدر
قصائد عز اللسن صوغ بديعها
ونارت عن أن يصطاد شاردها فكر
لها بالذي أودعتها من مديحكم على
الشعر فخر وهي لي في الورى فخر
يبالغ في إطرائها كل حاسد
وللحق نور ليس يطفئه النكر
ويقول ماء العينين بن العتيق:
محامد لا تمدد لإحصائها يداً
فقد يعجز العد الطويل مديدها
ويا نعت أوصاف مدائحها أتت
من الله والروح الأمين بريدها
وماذا به نثني عليه وإنما
نعوت الثنا من وصفه نستزيدها
مقاصد تستدعي الفصيح لنظمها
وتفصح عن نيل المرام قصيدها
شفت شفتي مما يشف وفكرتي
مدائحه إنشاؤها ونشيدها
شمائل بالتكرار تحلو فتشتهي
مناطقنا أن لا تزال تعيدها
هذه قبسات لهج بها شعراء موريتانيا، وعبروا فيها عن مشاعر هياجة وأحاسيس مرهفة، نوجز أهم معالمها فيما يلي:
شدة الفرح والحبور والاستبشار بالمولد النبوي، وانبهاره بما رافق المولد المنير من آيات وخوارق، وحرصهم على استذكار العبر المتصلة بذكرى المولد واستنطاقها.
اهتمام الشعراء بأدلة النبوءة والحديث عما تشير إليه معجزاته عليه الصلاة والسلام من عظيم قدره عند ربه ومنزلته وما خصه به في الدارين من كرامته.
الإشادة بما اختص به صلى الله عليه وسلم من شجاعة وعزم وحزم وإقدام، وما حظي به من ربه من نصر ومؤازرة وعناية رافقته في انتصاراته، فانتقل بها المسلمون إلى رحاب العزة والتمكين.
الانبهار بما له عليه الصلاة والسلام من شمائل منيرة وأخلاق حفلت بها تلك السيرة، والائتساء بثناء ربه عز وجل وأصحابه على تلك الأخلاق التي هي مظهر آخر من مظاهر عظيم قدره عند خالقه، وشريف منزلته وحظوة رتبته.
التنافس في الإفصاح عن مشاعر الحب، والشوق إلى زيارة المحبوب وحب دياره بمحبته؛
الحرص الشديد على مواصلة توقيره وتعظيمه مدى الدهر، كما لو كان شعراؤنا عاشوا في عصره، وذلك بذكر حديثه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم أهل بيته وصحابته وبرّهم.
الافتخار بالعجز عن الوفاء بمعشار حقه من المديح، وعن الوفاء بأدنى ذرة من حق الثناء، وأن حسب المادحين أن يسهموا في حدود طاقتهم بنصره وتوقيره، وأن يحظوا على ذلك بجائزة قبوله منهم.
ونحن نسأل الله عزّ وجلّ أن يسلكنا في ذلك النظام، وألا يقل نصيبنا الليلة بذكرنا إياه ـ نحن وأنتم ـ عما ناله أولئك الشعراء من شرف خدمة سنَّته، وإشاعة نوره. فهنيئاً لكم ـ يا صاحب الفضل في ذلك ـ الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه. وهنيئاً للمشاركين في اثنينيتكم بموضوع الحديث، فإذا كان شرف اللقاء بشرف الموضوع، فطوبى لكم وألف طوبى.
والسلام ـ كما بدا يعود ـ عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق