الجمعة، 15 مارس 2013

العلامة الصديق بن احريمو

العلامة الصديق بن احريمو :

هو أبوبكر الصديق بن أحمدُ بن محمدو بن محمد الأمين بن سيد المختار بن محمد الأمين (ولد احريمو) بن أبي بكر "أوبك" بن باب بن سيدي أحمد بابا الملقب "سيديُباب" بن اعلي بن المستحي من الله بن زلماط الجكني الشنقيطي تغمد الله بنعائم الجنة روحه وعطَّر بالروْح والريحان ضريحه، عالم وقاض كبير، ولد في حدود سنة 1893 في مقاطعة باركيول في ولاية لعصابة جنوب بلاد شنقيط  (موريتانيا)، ونشأ في بيئة علم ومعروف حيث ينتمي إلى أسرة اشتهر منها الكثير من كبار رجال العلم والصلاح وأهل الأحوال والكرامات رحمهم الله أجمعين، إضافة إلى ما اشتهر عنهم من الشجاعة والكرم والرئاسة وحمل كل العشير حتى تمثل فيهم العلامة المؤرخ الراوية المرحوم عبد الله بن لإمام الجكني في تقييد كتبه عنهم بقول الشاعر:
إني لمن معشر أفنى أوائلهم
قول الكماة ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منهم واحد فدعوا
مَن فارس خالهم إياه يعنونا
وقد خرج من هذا البيت كثير من الرؤساء والعلماء والأبطال والأجواد والصالحين منهم:
1- محمد الأمين بن احريمو الجد الخامس للمترجم، وهو العالم الصالح المشهور عاش في القرن الثاني عشر الهجري وكان أحد مؤسسي قرية تكبة حاضرة قبيلة تجكانت التي سكنوها بعد تفرقهم من بلدة تينيكي، كما كان أحد الرؤساء الجكنيين الذين جمعوا شمل القبيلة بعد فرقتها. وتروى له كرامات كثيرة منها كرامته المشهورة التي تحدث عنها العلامة عبد الله بن الإمام في تقييد له حول هذه الأسرة.
2- سيد أحمد الحبيب بن محمد بن أحمد حبيب أخو محمد الأمين المذكور سابقاً، أخذ عن العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، وتقدم في العلم حتى صار قاضي القضاة في قبيلة تجكانت، كما يفهم من نص حكم قضائي أصدره حول نزاع في وادي المداح بآدرار  باسم جماعة تجكانت في عهد رئيسهم سيد إبراهيم بن سيد محمد اليوسفي. كما رفعت إليه نوازل عديدة وقضايا أخرى وقد ذكره محمد محمود بن سيد عبد الله في رسالته "الدر الخالد في مناقب الوالد" من بين مشاهير العلماء الذين تخرجوا على والده. كما ذكره الفقيه محمد بن أحمد الصغير التشيتي  في كتابه "منن العلي الكبير" وذكر بعض فتاويه. بقي حياً إلى سنة 1247 هـ.
3- العلامة القاضي محمد المختار بن سيد أحمد الحبيب.
4- العلامة عبد المالك بن محمد المختار بن سيد أحمد الحبيب المعروف بـ "العالم الأحمق" لصلابته في الحق والقضاء.
5- إبراهيم بن محمد المختار بن محمد ناجم بن محمد الأمين بن احريمو الفارس الجكني المشهور، والرئيس الجواد الذي طرقت شجاعته وذكره كل مسمع في عصره، قال عنه المؤرخ الكبير بكار بن سيد أحمد لبات بن اسويد أحمد إنه كان يحسب بمائة فارس لشجاعته الخارقة، قتل سنة 1259، ودفن عند ماء بولاية لعصابة يحمل اسمه يدعى "ملزمْ إبراهيم".
6- أحمدُّ بن محمدو والد المترجم، العالم الشاعر الأديب له أشعار في الحماسة والفخر والغزل، أخذ عن العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي وتوفي سنة 1319 هـ.
7- باب بن القاسم بن أحمد الوريع بن محمد المختار بن محمد ناجم ت 1999م هاجر إلى السودان واشتهر بالجود والإنفاق.
أما أم المترجم فهي ابنة عمه الهاشمية بنت الصديق بن محمد المختار بن محمد ناجم وقد كانت على جانب كبير من الصلاح وكمال العقل والمروءة والحلم، من سيدات النساء المشهورات في العشيرة.
تلقى الشيخ الصديق العلم على والده وأيضاً أخذ عن أعيان شيوخ زمانه الذين منهم محمد بن صالح وسيدي بن حين ومحمد محمود بن عوينات وأحمد بن عمار وكلهم من الجكنيين، ثم بعد ذلك درس الفقه في محضرة أهل الشيخ القاضي بولاية لبراكنه فأقام بها سبع سنين، ثم انتقل إلى بلاد ولاية الحوض الشرقي داعية، ومفتياً وذابّاً عن محاسن الشريعة المطهرة، وقد تلقى عليه كثير من العلماء في تلك الأنحاء علوم الشريعة واللغة العربية وصناعة القضاء والتوثيق. وقد عرف المترجم بالشجاعة وقوة العزم وتولى القضاء في مدينة النوارة (عاصمة إقليم باغنة الساحلي بجمهورية مالي الحالية)، وكان له تلاميذ عديدون من الزنوج والطوارق والعرب في مالي وبوركينافاسو وساحال العاج، وله قصائد في المديح النبوي توجد في تمبكتو Timbuktu إضافة إلى فتاوى عديدة منها فتوى حول "ربويَّة الفلوس والعملات المعاصرة". وفتوى في الرد على [[الطريقة الحموية]]. وتمتاز فتاويه بالفصاحة ووضوح التعبير واستخدام لغة رائقة حسنة السبك قوية البناء. ومنذ استقراره في منطقة ولاية الحوض الشرقي في حدود سنة 1920م، اشتغل بالتجارة ونشر العلم، إضافة إلى عمله قاضياً ومفتياً في عهد الاستعمار لقضاء النوارة حيث كانت تتبع ذلك القضاء ولاية الحوض الشرقي  الموريتانية كاملة. وكان قاضياً عادلاً شديداً في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم. توفي في حدود سنة 1948م في مدينة بوبوديولاسو، العاصمة الاقتصادية لبوركينافوسو الحالية، إثر مرض مفاجئ ألمَّ به في بيت له هناك كان يتم منه تدبير تجارته إلى ساحل العاج. لم يترك الشيخ الصديق مؤلفات كثيرة، كحال علماء بلاده، نتيجة تفرغه لنشر العلم والقضاء والفتيا، ولرغبة منه عن التماس الرياء والسمعة. وإن كانت له الفتاوى المكتوبة المذكورة، التي تخبر عن سعة باعه في فقه مذهب الإمام مالك . وبعض هذه الفتاوى موجود في مراكز المخطوطات في تمبكتو، وبعض آخر في أرشيف محكمة النوارة الشرعية. وقد اشتهر الشيخ الصديق بن احريمو ببياضه الشديد المائل إلى الشقرة، وسمته غير المألوف مقارنة بهيئات وألوان أهالي البلاد الشنقيطية، وأيضاً اشتهر بطول قامته وعظم خِلقته بشكل عجيب. ويحكي العامة في منطقة ولاية الحوض الشرقي بموريتانيا عن لونه وطوله الأعاجيب.
وشأن حديثه عن الأسر الأخرى من الزلامطة (مثل أسر أهل المختار بن بونا وأهل أحمد مزيد وأهل أحمد سلطان وأهل أحمد زيدان... الخ)، يتبسَّط العلامة المختار بن حامدن في الحديث عن هذه الأسرة تحديداً، وهي بنو سيد أحمد باب الملقب سيدي يُبَابَ بن المستحي من الله بن زلماط، وذلك في كتابه "موسوعة موريتانيا"/ الجزء الخاص بقبيلة تجكانت، والكتاب من تحقيق د. يحيى بن البراء ود. الحسين ولد محنض، ومراجعة محمد بن داداه. يقول العلامة بن حامد ما يلي:
3. 2. سيدي يبابه بن المستحي من الله بن زلماط
سيدي يبابه بن المستحي من الله بن زلماط فقيه صوفي وفي بيته العلم والعز والرئاسة. منه ابناه: آبوبك، والطالب محمد كلاهما علامة دين. وفي عقبهما الوراثة المحمدية والمروءة والسودد. فأما آبوبك فمنه ابناه: حرمة الله الملقب باحريمو، وسيدي أحمد الحبيب. ومن الأخير العلامة عبد المالك بن (...)1 بن سيدي أحمد الحبيب كان يدعى "العالم الأحمق" لصلابته في الدين وصموده أمام الحق إلا أنه لم يعقب. وأما احريمو فقد كان فقيهاً ديناً شجاعاً أبلى في حرب تگبه بلاء حسناً هو وابناه: محمد ناجم، واعمر، اللذان كانا أيضاً فقيهين صالحين. ومن محمد ناجم بنوه: محمد أحمد، والقاسم، وأحمدو، وأحمد مولود. ولم يعقب الأخير منهم. أما محمد أحمد فمنه ابنه الهاشمي الذي منه ابنه أحمد محمود. ومن هذا الأخير ابنه الهاشمي أحد أعيان العصر. ومن القاسم أبناؤه: بابا، ومحمد عبد الله ولم يعقب منهما أحد. أما أحمدو فإنه عالم شاعر أديب منه بنوه: محمد، ومحمد محمود، والصديق بن احريمو. فأما محمد فقد كان قارئاً مجيداً ولم يعقب، ومن محمد محمود بنوه: محمد، ومحمد المختار، والمفيد. وكلهم من أعيان العصر. أما الصديق فقد كان علامة جواداً ومنه بنوه: محمد العاقب، ومحمد الأمين، ومحمد محمود وكلهم من أعيان العصر. ومن شعر أبيه أحمدو بن احريمو قوله:
وشفيت الغليلَ من وصل حور
قلَّ منهن مَن ينال وصالا
ناعماتٍ منعَّماتٍ خدالٍ
لم ترَ العين مثلهن خدالا
وإذا قُمن قمن غير خفافٍ
كالحَبالى وهن لسن حبالى
إن يكن للصبا زلال فإني
قد تجرعتُ منه ذاك الزلالا
وأما اعمر بن احريمو فمنه ابناه: الشيخ، وسيدي إبراهيم. فمن الشيخ، وكان فقيها سيداً، بنوه: الطيب، ومحمد، وباباه، وأحمد، ومحمد الأمين. ولم نقف من عقبهم إلا على الشيخ محمد الأمين. وأما سيدي إبراهيم بن اعمر بن احريمو فمنه بنوه: أحمد خونا، ومحمد، والشيخ، ولم نقف لهم على عقب.
وأما الطالب محمد بن سيدي يباب بن المستحي من الله فمنه ابناه: المعزوز وسيدي كلاهما من أعيان مشائخ عصرهما كوالدهما. فمن سيدي ابناه الحاج ومحمدو. فأما محمدو بن سيدي بن الطالب محمد فمنه بنوه: عبد الله، وعبد اللطيف، والمختار. فمن عبد الله ابنه أحمد فال قارئ عابد منه بنوه: عبد الله، ومحمد الأمين، ومحمد محمود من أعيان العصر. ومن الأول منهم ابنه محمد فال من الفتيان اليوم. ومن عبد اللطيف بن محمد ابنه عبد المالك ومن هذا الأخير بنوه: أحمد فال، والشيخ، وأحمد. والأخير منهم فقيه قارئ وكلهم من أعيان العصر. أما المختار بن محمد بن سيدي بن الطالب محمد فلم يعقب وكان يقول الشعر، ومن شعره قوله:
إنا بني المستحي -لا فخر- يرفعنا
عز قديم بلا نقص ولا كدرِ
المُطعمون إذا ما المزن قد بخلت
والراكعون دجىً كالأنجم الزهُر
منا الرماة ومنا كل مجتهد
يفري العويص فما أبقى ولم يذر
وأما الحاج بن سيدي بن الطالب محمد بن سيدي يبابه بن المستحي من الله فقد كان فقيهاً قارئاً، ولم يعقب سوى ابنه الفقيه القارئ إبراهيم الذي منه ابناه المشبهان له فقهاً وقراءة: حرمة، وسيدي. فأما حرمه فمنه ابنه محمد محمود الذي حاز ذكراً وشرفاً ولم يعقب غير ابنه المصطفى، وما ترك المصطفى من أحد. ومن سيدي بن إبراهيم بن الحاج ابناه: سيدي، والمصطفى ولم يعقب الأخير منهما، أما الأول فمنه بنوه أعيان العصر: محمد المختار، ومحمد المصطفى، ومحمد الأمين الذي منه ابنه اسلمو من فتيان العصر، وابوه من ساداته وقرائه. وأما المعزوز بن الطالب محمد بن سيدي يبابه بن المستحي من الله فقد كان عالماً عاملا، منه ابناه: عبد الجليل، وباب. فأما عبد الجليل فإنه فقيه صالح ورئيس مطاع. منه بنوه: عبد الله الذي تولى وراثته في علومه ورئاسته، ومحمد المختار، وسيدي إبراهيم، والإمام، وكلهم سادة خيار أماجد. فأما عبد الله بن عبد الجليل فإنه كان من أعيان الفرسان والأبطال فضلا عن رئاسته وعلومه، منه ابنه محمد الأمين الملقب بحين الذي حاز الرئاسة من بعده كما حاز العلوم والديانة والشجاعة. منه بنوه الأكابر: محمد محمود، ومحمد، وسيدي، والسهيلي، وعبدالرحمن، وكلهم سادة خيار. فأما محمد محمود فهو الذي تولى الرئاسة من بعد والده وعليه طلعت فرنسا، فمنه ابنه الأديب الشاعر القارئ الخطاط الفقيه المتكلم السادات بن حين أحد أعيان العصر اليوم، له عدة قصائد ما بين الفخر والغزل والسياسة والمديح والحكم، ومن شعره قوله:
ألا قل لمن أمسى يحاول شأوَنا
رويدَك إن الشأوَ يدرك بالهممْ
وما هِمَمٌ تعلُو على همم لنا
ولكننا نعلو على همم الأمم
علوْنا ببذل المال في كل أزمةٍ
وحل عويص العلم في كل ما ألمْ
نخوض بحور الموت في لجج الوغى
ونركب حدَّ السيف في حلك الظُّلم
ولا أحدٌ منا عن الموت مرعوٍ
ولا منزوٍ عنها إذا ليلُها ادْلهم
توارث ذا الأجداد من عهد جاكر
إلى تبع الأسمى إلى حميرٍ إرم
سلْ الفقه والأصول تُنبيك أننا
قضاة بحكم الله نخذل من ظلم
سلْ النحو من أيام عهد ابن مالك
إلى يومنا ينبيك من ذا الذي يُؤَمْ
وسلْ سيرة المختار عنَّا وأهلَها
وسل كلما في الكتب يُتلى ويُستتم
وسائِلْ بنات الفكر عنا وغوصها
ستنبيك أن الصوغ في شعرنا أتم
سل الشعراء اللُّسن عنا وبذلنا
وسائل عفاة البيت في موقف الحرم
وله أيضاً:
لا تنظرنَّ إلى جسمي ودقته
بل فانظرنَّ إلى شعري ورقته
ولا دمامة خلقي وانظرن خلقي
تجد شمائل حسنى في أزقته
وله أيضاً:
لا أختشي من سيوف الهند مصلتة
ولا رماحاً بأيدي الضاربي عنقي
لكنني ربما أخشى على نفَسي
من الرماح التي تُرمى من الحدَق
يُرمى بها فتُرى للروح راصدة
بكل فج فلم تترك من الطرق
يَرمِي بها رشأٌ أحْوَى مقبَّلُه
في خدِّه حُمرة كحمرة الشفقِ
وأما محمد بن حين فإنه فارس مقدام سخي مطعام له حظ وافر من العلم والعبادة تولى الرئاسة من بعد أخيه محمد محمود وساسها سياسة جميلة، منه ابنه محمدو الذي هو أحد أعيان العصر، ومن هذا الأخير ابناه: أحمد، وسيدي كلاهما من فتيان الوقت. ومن السهيلي بن حين ابنه حين ولم يعقب هذا الأخير. أما عبد الرحمن بن حين فلم يعقب أصلا. وأما سيدي بن حين فإنه علامة متبصر نظامة مصنف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق