السبت، 23 مارس 2013

لمحات من حياة فضيلة الشيخ ولد خيري

 لمحات من حياة فضيلة الشيخ ولد خيري :

هو صاحب الفضيلة والهمام النحرير السيد الشيخ بن خيري ،فرد زمانه ،المجلى في ميدانه، صاحب الخصال النادرة، جمع بين الشريعة والحقيقة فكانت له القدم الراسخة في كل ذلك، نشر الطريقة التجانية والفيضة الإبراهيمية في كل أصقاع العالم من إفريقيا غربا إلى السعودية شرقا فهدى الله به عشرات الآلاف من البشر إلى هذا الدين الوسط، كما استقطب الكثير من الناس للتناول من مائدة المعارف الإلهية التي فجر معينها صاحب الفيضة الشيخ إبراهيم انياس.
وقد عرف عن الشيخ بن خيري من السجايا والخصال ما أهله ليتبوأ هذه المكانة المتميزة فهو صاحب الأخلاق الفاضلة، كريم جواد ،يرفع الكل ويعين على نوائب الدهر، مقر للضيوف ومكرم للجيران ، يصل الرحم ويحسن إلى المحتاج ، شهم أبي، لا تأخذه في الله لومة لائم.
مولده:
v ولد الشيخ بن خيري في الـ 25 شعبان 1374هـ الموافق الـ 12 ابريل 1955 قرب بلدة "اجرارية" التي يوجد بها أكبر مدافن العلويين في الجنوب الموريتاني حيث يرقد الشيخ أحمدو بن الشيخ محمد الحافظ "المتوفي 1325 ه" والسيد احمد ولد بدى الملقب " آب المتوفى (1322 ه ) وغيرهما من الشيوخ والعلماء الأجلاء...
وقد تزامن مولد الشيخ مع زيارة الشيخ إبراهيم الثانية "للعگل" فباركه ودعا له..
نسبه:
والده هو السيد الفاضل العابد الورع الناسك سيدي بن الخليفة بن خيري بن سيدي بن احمدان العلوي، أما والدته فهي العارفة بالله التي قال عنها سيدي محمد المشري أنها بلغت مقامات الرجال السيدة فطمة بنت آد الملقبة "داي"سليلة الأكرمين من حي الأربعين جوادا التندغي .
وهو بذلك يجمع بين نسبين هما النسب العلوي الشريف والنسب الحميري التليد، جامعا بذلك بين أجداد له عرفوا بالعلم والريادة أمثال: سيدي ولد احمدان وحرمة ولد عبد الجليل ومحمذن فال ولد احمدو فال الملقب يحي وبدي ولد سيدينا.
ينتمي الشيخ بن خيري إلى الدوحة العلوية الشريفة التي قال عنها شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم انياس:
حي بني علي بني الزهراء أصل طريق شيخنا الغراء
حي به يفخر كل حي فحيه وحي من يحيي
وتنتسب قبيلة العلويين ( ادوعل ) كما يدل على ذلك اسمها لسيدنا علي بن ابى طالب كرم الله وجهه من جهتين : من جهة ابنه الحسن السبط ومن جهة ابنه محمد ابن الحنفية رضي الله عنهما .
وكان جدها الجامع في هذه البلاد يحي العلوي احد مؤسسي مدينة شنقيط التاريخية سنة 660 للهجرة إلى جانب محمد غل ( جد لغلال ) واعمر يبنى ( جد امكاريج ) . وقد هاجر الى الجنوب الموريتاني فرع من هذه القبيلة في القرن ال11 الهجري وكان القاضي عبد الله ( المتوفى 1103 ه ) أول المهاجرين حيث لقب بقاضي القضاة وأسس محظرة لازال عطاؤها مستمرا ، وهو الجد السادس لصاحب الترجمة .
وشهدت المنطقة بفضل هذه المحظرة وفروعها نهضة علمية انتشر إشعاعها في الوطن كله..ولكن أهم حدث شهده العلويون عبر تاريخهم في هذه المنطقة وهو ظهور الطريقة التجانية "1216هـ" على يد الشيخ محمد الحافظ بن المختار الحبيب "تـ 1247هـ"، فقد عمت هذه الطريقة الصوفية التي يقال عنها أنها "طريقة العلماء" جميع أحياء العلويين فور وصولها وما لبث علماؤهم الأجلاء أن أتحفوا بها غيرهم من المسلمين في هذه الأصقاع ونشروها خارج البلاد .
وحينما ظهرت الفيضة التيجانية الإبراهيمية على يد صاحبها الشيخ ابراهيم انياس في حدود سنة 1350هـ كان العلويون من أوائل من تلقوا فيوضاتها بقلوب مفعمة بالإيمان و المحبة و ساهموا في تعميمها ليزداد المؤمنون إيماناً في سبيل أن يحقق الإنسان المهمة التي من أجلها خلق "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين".

نشأته:
تربى الشيخ في جو علمي متميز ؛ فقد رضع لبنا خالصا تخالطه المحبة وبعد النظر والأهلية الأزلية، هذا في صغره أما في طفولته فقد تعهد بالذكر الدائم والمجالس العطرة فشب - بحسب شهادة معاصريه - في طاعة الله لم يسترع انتباهه ما شغل أهل عصره من سفاهات وطيش شباب وإنما المجالس والذكر والمذاكرة مع ما يتطلبه الظرف من تحصيل للعلوم الشرعية وأخرى عصرية، ولا غرو في ذلك فأسرة الشيخ هذا ديدنها .. رهبان بالليل فرسان بالنهار.. وقد وصفهم المشري وصفا دقيقا حين قال في رحلته:
كذاك سيدي نجل خيري قد أتى وحبهم في الشيخ كلا ثبتا
وقام بتحصيل العلوم الشرعية واللغوية، كما قام في نفس الوقت بتحصيل العلوم العصرية حيث دخل المدارس العصرية وتخرج منها مدرسا للغة الفرنسية والعربية...


تربيته وتصدره للدعوة إلى الله:
تربى الشيخ في أحضان الفيضة التجانية فأخذ المعارف عن الوالدة أولا ثم من المشري الذى صحبه كثيرا إلى مدين حيث الشيخ إبراهيم لتلقى النفحات الربانية، لتبدأ بعد ذلك مسيرته مع المعارف الإلهية والتي كانت والدته عميدة مدرستها بإقرار من محمد المشري.
وقد ظهرت فيه بوادر النبوغ المبكر في هذا الميدان سمع ذلك صراحة أو تلميحا من أهل هذا الفن حتى أصبح لا يبارى إلى حد أن المشري أصبح يخفي أو يصادر بعض رسائله إليه في هذا المجال وهو إذ ذاك في عقده الثاني من العمر.
وفي سنة 1975 تشاء الحكمة الإلهية أن يوارى جثمان محمد المشري الذي رافقه الشيخ كثيرا حتى في آخر لحظاته في هذا الوجود، ثم تغيب بعدها صورة الشيخ إبراهيم صاحب الفيضة، فلاحظ عمداء المدرسة الذوقية أمثال فاطمة بنت آد الملقبة داي ومحمد المختار ولد حندي و احمد بن آد وعبد الله بن الربانى وغيرهم أن الشيخ يفوقهم في مجال المعارف فأحكموا له البيعة، وعندها تصدر للتربية.
وفى ابريل من سنة 1978 أسس قرية "ببكر" الواقعة 40 كلم شمال الركيز( الجنوب الموريتانى ) وبذلك بدات مسيرة ببكر الفيضة.
وإذا بالشيخان ولد الطلبة يقول للشيخ : "تكلم تعرف.." فيأتي الجواب بقصيدته الطنانة التي كانت منهجا واضحا في المعارف وحملت معها مصطلحات ذوقية جديدة تواكب الحدث ومطلعها:
ما بال دمعك موهنا يتدفق والجسم ينحل والفؤاد يمزق
وتتوالى الإشارات والألفاظ المعرفية في مختلف رسائل الشيخ الكثيرة المحفوظة عند ذوي الألباب.. تارة تكون ردا على أسئلة بعض المريدين والعارفين وتارة تكون واردا ربانيا جاء ليفصح عن نفسه كما جاء بعضها في شكل خطب مكتوبة أو مسموعة في مختلف مراكز الأصحاب، بعضها يحمل توجيها للمجتمع ..
وتوضع اللبنات الأولى للتعمير والبناء لإعداد مجتمع صالح على تقوى من الله ورضوانا، فتبدأ ببكر القرية الهادئة الوديعة القابعة بين تلين رمليين تستقبل أنصار ومريدي هذا الشيخ بالآلاف حتى أن منهم من لا يفارقه إلا مكرها مصداقا لقولة الشيخ في المريد: "وإن منهم من لا يأتي زوجته إلا بالإذن والإكراه"، و مع هؤلاء تنتشر رسالة الفيضة ومبادئ المدرسة الذوقية في أدغال إفريقيا وآسيا وأوروبا، فيؤدى الشيخ الرحلات بدعوة من هؤلاء ليرسخ هذا الهدي، ويوجهه مبتغاه في ذلك وجه الله:
علم خالقي بأن سفرى ما فيه حظ من حظوظ البشر

فأقبل عليه الإخوان والأحباب من جميع المناطق والبلدان (موريتانيا – السنغال – غامبيا – ساحل العاج – بنين – مالي – السعودية – فرنسا – المغرب ...)، كما قام هو أيضا برحلات مماثلة إلى نفس المناطق المذكورة من أجل الدعوة إلى الله فاعتنق الكثيرون الإسلام وانتشرت الطريقة التجانية و الفيضة الإبراهيمية...
وقد اتبع الشيخ أساليب في الدعوة إلى الله كان الشيخ إبراهيم نياس قد أسسها وهي التكثيف من تنظيم المواسم والتظاهرات العلمية، كفرصة للتزاور في الله والتحابب في الله وحضور مجالس ذكر الله حتى تصفو القلوب وتزداد المعارف في الله .



بقلم الأستاذ : محمد الحافظ ولد محم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق